الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

ليس المثقف كل من تأبط الجريدة أو ثرثر حول السياسة!*التجاني بولعوالي

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  2:01 ص

ليس المثقف كل من تأبط الجريدة أو ثرثر حول السياسة!*التجاني بولعوالي
أولا وقبل كل شيء ينبغي تدقيق بعض المفاهيم كالمثقف والنخبة السياسية والمثقفة، لأنه عادة ما يحصل تداخل جلي بين هذه المصطلحات وغيرها في المشهد الإعلامي والفكري والسياسي العربي، بل ويقع في أحايين كثيرة نوع من الالتباس حول من هو المثقف الحقيقي؟ وماذا تعني النخبة؟ ومن يمكن أن ينتظم في إطارها؟ إذ ليس من هب ودب يمكن أن ننعته بالمثقف، وليس كل من يتأبط جريدة أو يثرثر حول السياسية، أو يدعي معرفة الفلسفة يصبح مثقفا محسوبا على النخبة السياسية أو المثقفة. بل وحتى الجذر اللغوي لمفردة النخبة يحيل على معاني الاختيار والاصطفاء والانتقاء، وتُجمع المعاجم اللغوية العربية على أن نخبة القوم هم خيارهم. غير أننا عندما نتأمل طبيعة النخبة لا سيما السياسية في العالم العربي نجد أن أكثر أفرادها من شرار القوم وأراذلهم، فكيف يمكن أن يُرتجى من هؤلاء الخير والازدهار للبلاد والعباد؟
وهذا ما قد ينطبق بشكل أو بآخر على شق من النخبة المثقفة، حيث يختزل البعض مفهوم المثقف في كل من يتمرد على التقاليد وينزاح عنها، كأن التغيير والإصلاح لن يتأتى إلا بالرفض والعصيان والتحدي، في حين أن ثمة العديد من المثقفين الذين رغم تمسكهم بالتقاليد، فإنهم تمكنوا من أن يخدموا الإنسان والمجتمع بأفكارهم النيرة والرائدة. إن مفردة المثقف تحيل دلاليا على الحذق وسرعة الفهم والبديهة والإدراك والظفر، وهذه المعاني مجتمعة تمت بصلة وثيقة إلى مفهوم النخبة، وإن تبدو للوهلة الأولى بمثابة مهارات نفسية وأخلاقية، غير أنها مستقاة كلها من البيئة العربية القديمة ومن ظروفها السوسيو- ثقافية والسياسية والاقتصادية.       
إن هذا الالتباس المفاهيمي لا يقتصر على الجانب الاصطلاحي، بقدر ما يتجاوزه إلى وظيفة المثقف داخل المجتمع العربي التي تظل أيضا غامضة وغير محددة الملامح، ولعل مرد ذلك إلى جملة من العناصر، نذكر منها ما يأتي:
عدم وضوح مهمة المثقف: إذ كثيرا ما ينظر إليه على أنه مجرد ثرثار وصانع وعود وحالم في برجه العاجي وطوباوي. وهذا يعني بشكل ما أنه فاعل اجتماعي لكن بلا حقيبة أو وظيفة، أو نخبوي إلى حد النخاع، يقضي حياته في الحديث عن التغيير والتحديث، غير أن معرفته بالواقع لا تتعدى التصورات الذهنية والنظرية إلى ما هو ميداني وملموس ومعيش، في حين نرى أن تأثير المثقف في المجتمعات المتقدمة لا يقل عن تأثير المهندس والطبيب والمحامي،  حيث يشتغل كل واحد منهم بدقة وجدية في المجال العلمي والمعرفي والاجتماعي الخاص به.
تداخل مهام المثقف: تكاد الحدود تنتفي في العالم العربي بين تخصصات المثقف ومهامه، ليس بالمفهوم الموسوعي التقليدي، وإنما جراء هيمنة عقلية الاحتكار والأنانية الفكرية، فتجد الرجل سياسيا وجمعويا، ويدعي علم السماء والفلسفة، وعندما تناقشه في الرياضة ينصب نفسه الرياضي الأول! غير أنه في آخر المطاف لا يتقن لا السياسة، ولا العمل الجمعوي، ولا الرياضة، ولا غير ذلك. فهل يمكن لكل من يحفظ بعض آي القرآن الكريم وبعض المتون الفقهية أن يصبح عالم دين ومفتيا في أمور عجز جهابذة الفقه عن حل طلاسيمها؟ وهل يمكن لكل من يخط حفنة من المقالات الإنشائية أن ينصب نفسه مثقفا وكاتبا؟ إن تنوع اهتمامات الرجل وتوزعها على حقول معرفية متنوعة مسألة مستحسنة، غير أن ما يُستكره هو أن يدعي الرجل الشيء وهو لا يعلمه ولا يتقنه، وأن يحشر نفسه في دائرة النخبة والفرق بينه وبين النخبة سنوات ضوئية!
العزوف عن الواقع: ولعل هذا يسري على فئة من المثقفين الذين سواء ينشغلون بقضايا أدبية أو فلسفية سريالية تجعلهم يحلقون خارج السرب، أم يتحدثون لغة معقدة ومجازية لا تمت بصلة إلى الواقع. والمثقف في كلا الحالتين بعيد كل البعد عن مفهوم المثقف العضوي الذي أطلقه الفيلسوف الإيطالي غرامشي، وهو مثقف ملتصف بالبيئة التي أنجبته، يعيش هموم الناس ويدرك رغائبهم، وهو يقترب بذلك كثيرا من المعاناة التي يحملونها، ما يجعله يؤثر فيهم بشكل عميق وإيجابي، وهذا يميزه عن المثقف التقليدي الذي يبقى رهين برجه العاجي، وهو مسكون بمشاعر الصلف والتعالي والكبرياء.
ويبدو أن هذه السمات تنطبق على طائفة عريضة من النخبة السياسية والمثقفة في العالم العربي، إذ منهم من هبط على أرض السياسة بالمظلات، فلم يدخل حلبة السياسة من أبوابها المشرعة والمشروعة، وإنما من خلال النوافذ وعبر السطوح! وهذا يعني الغياب التام للقابلية السياسية الحقيقية أو الميل الفطري لمزاولة السياسة، فصارت السياسة محض لعبة، والعمل السياسي مجرد فبركة وتصنع. فتحولت وظيفة المثقف الحقيقية من إنتاج الوعي إلى مصادرة الوعي، كما رأينا أثناء موجات الربيع العربي، حيث انقسم المثقفون إلى من تقوقع على ذاته، ومن تواطأ مع الطاغوت، ومن سلك نهج التقية أو النفاق أو التقمص، ومن شق عصا الطاعة، وهي فئة جد قليلة بالمقارنة مع جموع الشعب الجامحة!
إن حدث الربيع العربي كشف عورة النخبة التي تأخرت كثيرا عن الركب، ما يعني أن هذه الفئة داخل المجتمعات العربية لا محل لها من الإعراب السياسي، ما دام أن أغلبها مجرور من قبل أنظمة الحكم المستبدة، ولا محل لها من الإعراب الفكري، ما دام أن أغلبها مرهون بثقافة المهرجانات والمناسبات الرسمية. وهكذا صارت النخبة تابعة لا متبوعة، يتلون خطابها بحسب المرحلة السياسية، وتنخرط بنقاشاتها في الإطار الذي يحدده أصحاب الحل والعقد دون أن تتزحزح عن ذلك قيد أنملة.    


التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top